نعم كان يوم عيد الحب 14 شباط ( فبراير) 2004 حين تمكنتُ من الوصول إلى أحضانِ هذه الحبيبة لأول مرة.. نعم لقد تمكنتُ أخيراً من الدخول إلى قلبها ولمستُ يدها ووجنتيها وشفتيها.. لمستُ كل جزء من جسدها الجميل الفتان.. واستمعت إلى أنفاسها وتعرفت على خلجاتها وعلى ما في صدرها من عبقٍ وسحرٍ وأحلام..
سبق لي أن رأيت صورتها، وأن سمعت عن صيتها الرائع.. قرأت تاريخها، كتبت عنها، وتنبأت عن مستقبلها، لكنني عندما وصلت أمام عيناها أحسست بالخشوع، وشعرت أنها بثوبها الجديد قد تعيد إلى قلبي حباً ضاع منذ زمان، وأنها قد تعيد إلى صدري فخراً أذابه فجور طال أمده، وقد تعيد إلى أرضي القديمة أمجاداً طال أفولها.
في رحلتي الأخيرة تعرفت على حاضرها وعلى سر شهرتها ومحبة الناس لها، نعم قطعتُ آلاف الأميال دون اكتراث، لأتمكن من لمسها والوصول إلى قلبها.. ولم تكن رحلتي سدى فقد أحيتني شفافية ثوبها الجديد المتدلي فوق جذورها العتيقة، ثوب عصري رقيق يغطي دهوراً من الجمال، ثوب يعانقُ أحجار الزمان، ثوب تُبَلِل نهاياته أمواج شاطىء قارع أغنى الحضارات.
ومتاحف تتوزع في أرجائها لتجمع شواهد أعتى الحضارات التي حجّت إليها، وتحضنفي متاحفها أعمال ومكتشفات ومخترعات أعظم العلماء الذين عاشـوا في كنفها.. وتتناثر في زوايا متاحفها الثلاثة آثار ومخطوطات وتيجان الملوك والقواد الذين ضحّوا بجيوشهم ليصلوا إلى عتبات قدميها. عندما وصلتُ إلى أحضانها شعرتُ أمام كمالها أني صغير جداً، أحسستُ أني ضعيف أمام جمالها وأني تائه بين الأحقابِ والعصور وبين قاعات الدهور ومتاحف الخلود، إلا أن بساطتها ولطافة حراسها أمدوني بثقة كبيرة ان هذه الفاتنة التي استيقظت بعد سُباتٍ طويلستشع بحبها وعطائها من جديد.. فتحوّلتُ بين أركانها وصالاتها، أتنقل بين رفوف كتبها ومناضد كمبيوتراتها.. تارة أنزل إلى قاعاتها السفلى تحت سطح البحر، وتارة أصعد إلى طوابقها المرتفعة أعلى من قمم التلال.. قلب واسع يتسع لآلافالعطشى والمحبين.
نعم إنها ( مكتبة الإسكندرية ) التي احتضنتني في عيد الحب، فملأت قلبي حباً وصدري فخراً وجعبتي أخباراً..
قضيتُ معها يومين أنظر إليها وتنظر إليّ، أغازلها وتغازلني، وبعد أن قبّلتُ يدها استأذِنُ الرحيل رافقتني بنظراتها الحالمة وعند إحدى بوابات الخروج همست في أذني بخوف:
هل سيكون نصيبي الوأد مرة أخرى؟!
رفعتُ نظري إليها متعجباً .. فتابعت وهي تبعد ضفائرها عن عينيها الخجولتين:
نعم…
فقد تركوا جفوني تذ بل في أواخر أيام اليونان
وأحرَقَ بشرتي قواد جيش الرومان
وثقبَ البيزنطي قببي والجدران
وحَطمتَ أعمدتي زلازل الزمان
وتحت الرمال تركني العربان
لم يزرني رشيد بغداد ولا أند لسيو الأسبان
شغلتهم عني حروب الأنجيل والقرآن
فد بت فوق أقواسي خيول حرب آيوب والصلبان
واند ست في سمعتي إصحاحات التوراة ونعيق الغربان
وداست فوقي ذ كراي حوافر المماليك وبني عثمان
فلماذا أضاعوا نوري بين التوراة والانجيل والقرآن؟
وهل نسوا عمق جذوري في هذا المكان ..
سـامر سـابا – مكتبة الأسكندرية